أخــبار الموقع

عندما يسألونكـ من أنت تستطيع أن تبرز وثيقة أو جواز سفر يحتوي على المعلومات المطلوبة، أما إذا سألوا شعباً من أنت فإنه سيقدم علماءه وكتّابه وفنانيه وسياسييه وقادته العسكريين كوثائق و لنحيا بالعلم والمعرفة سنتشارك كل اليوم الكتب و الحكم والمعرفة ✿✿ ثمن هذا أن تنشر الصفحة لنهوض بأمتنا فالنافذة التي يخرج منها الهواء الفاسد هي نفس النافذة التي تسمح بدخول الهواء الصالح

الأربعاء، 11 يناير 2012

ـ✿ـ هكذا...كانت الثورة الأردوغانية ـ✿ـ


هكذا...كانت الثورة الأردوغانية  

   في حي فقير وأسرة أفقر يتخرج من مدرسته بتفوق ليُعلن ذلك بكل فخر واعتزاز في مناظرة تلفزيونية غير متنكر أو متناسي أنني أنا رجب طيب أردوغان "كُنت أبيع السميط والعصير في شوارع اسطنبول " ، ليخطو بعدها خطوات عملاقة بشيفرية سرية في التأثير والقيادة وعقلية التفكيك الذكي للفساد وطي صفحة العقد الضائع للبلاد صنع مفاجأة كُبرى لم يتوقعها أحد تلك التي حققتها تركيا في السنوات الأخيرة ، فبينما العالم غارق في الأزمات والعرب في الثورات حرّكت الأمة أسطول نهضتها فكانت طفرة اقتصادية كبرى لم يتنبأ لها حتى أمهر محللي الاقتصاد الذين اعتبروا ضعف الاقتصاد التركي العائق الأكبر أمام انضمامها إلى الإتحاد الأوروبي  ووصفوا الإمبراطورية العثمانية  أنها الأضخم والأفقر والأقل استقرارا ،فكانت "المُعجزة".. بدون العصا سحرية أو المصباح العجيب بل عن وعي و تخطيط دقيق قُطفت ثماره قبل موسمها .



  ما لفت الأنظار إلى أنقرة ثورتها في جميع الميادين سواء على الصعيد السياسي و الاقتصادي وخاصة الإعلام الذي لعب دورا هاما جدا فقد يستغرب البعض من المسلسلات التي غزت الفضائيات سواء كانت اجتماعية أو غير ذلك لكن في الحقيقة أعطت صورة جميلة وواضحة المعالم.. "لتركيا السياحة".. بحلة جديدة وبصورة عالية الجودة بينما لا يزال الإعلام العربي يروج ويمارس هوايته المفضلة في التضليل والتلاعب بالصور والعقول متناسيا أو بالأحرى متجاهلا دوره الكبير في تنظيف العقول التي تحتاج  لغسيل عميق يعيد إليها بياضا سلبه شؤم سواد التبعية وطائفية وغيرها من الأمراض المزمنة  ، عقول غزتها الفتنة والخمول بلا جيش خاصة في الأعوام الأخيرة فقد أصبحت الصورة تختصر آلاف الكلمات و المقالات.

    بعيدا عن هذه الأمور والطعنات التي أصبحت هواية للجميع فنحن ما شاء الله أكثر من رُبع مليار مُدقق في عالمنا العربي الكل أصبح يُشخص المشكلات بينما غيرنا كانت همهم الوحيد "الشُزُوبلار "ـ( الحلول باللغة التركية )ـ  ،في الحقيقة لا يمكننا  تطبيق نموذج بلد معين أو نظرية و تعميمها على كافة الدول نظرا لاختلاف المتغيرات والتركيبة البشرية و غيرها من المعطيات ، لكن سر التفوق يتوجب علينا الوقوف عنده كيف حدث ؟ و بأي طريقة ؟ 



 الاقتصاد التركي الذي كان على حافة الانهيار في مطلع الثمانينات، بات يحتل المرتبة 17 على مستوى العالم لجهة الحجم، والدولة التي كان يعوزها الاستقرار وينتشر فيها الفساد باتت أقرب إلى نموذج يمكن أن تحتذيه دول أخرى ، ولدخول في صلب الموضوع و لغة الأرقام لتكون الصورة مُدققة وواضحة في عالمنا الرقمي، فقد اعتمدت تركيا على توسيع القاعدة الإنتاجية، حيث ارتفعت الصادرات السلعية إلى 114 بليون دولار من 36 بليوناً ما بين 2002 ونهاية 2010 كذلك ارتفع عائد السياحة من 8.5 بليون دولار إلى 20 بليوناً دولار حسب البيانات الرسمية  فكيف حدث ذلك ؟؟

لا يمكننا تجاهل الحافز الكبير و المجاني الذي ساعد بشكل كبير في تطوير تركيا ألا و هو الرغبة الكبيرة في الدخول إلى حظيرة الاتحاد الأوروبي لكن ما يهمنا في هذا الطرح الخطوات والإجراءات المتبعة التي يمكن تطبيقها والاستفادة منها قدر الإمكان .

 لقد بدأت تركيا بإصلاحات على مستوى البلديات والحكم المحلي، واهتمت بتحقيق ما يصطلح على تسميته النموذج المتوازن للتنمية فلم يقتصر التركيز على المدن الكبيرة بل نالت الأطراف والمناطق الريفية الاهتمام الذي تستحقه دون إهمال الرقابة الدورية، وما يمكن التلميح إليه أيضا فقد تعزز هذا التركيز حين وصل حزب العدالة والتنمية إلى السلطة، فالقاعدة الانتخابية للحزب تتركز في تلك المناطق أيضا .



  كما ركز الأتراك على البعد الإقليمي في التعاملات التجارية وحدثت الاستدارة باتجاه الدول المحيطة بتركيا و حتى الساحل  الافريقي مما ساهم في توسيع القاعدة الإنتاجية التي كان لها دور كبير في الحد من معدلات البطالة وفي هذه النقطة بالتحديد قد أستغرب ماذا يحصل للصادرات الغذائية لوطني "الجزائر" والتي يمكن أن تنافس بشدة في أوربا نظرا لجودتها وكثرة الطلب عليها ،ماذا حصل في نهاية 2011 لمحاصيل الزيتون وزيت الزيتون ؟؟ و غير ذلك من منتجات التي تعاني تدهورا كبيرا و تفويتها للفرص لتوسيع نطاق حصصها السوقية التي تساعد على خلق فرص العمل و الرفع من الدخل الوطني .

   و تجدر الإشارة هنا أن صناع القرار في تركيا لم يهملوا أيضا ما يعرف بالقطاعات التقليدية والصناعات اليدوية، بل إن الحوافز كانت تعطى للعاملين في هذه القطاعات حتى يستمروا في أعمالهم ورُبطت تلك الصناعات والحرف، التي غالباً ما كانت خارج المدن الرئيسة، بالأسواق الكبيرة عبر أدوات تسويق محلية، الأمر الذي أمّن أسواقاً محلية كبيرة لتلك المنتجات سواء في داخل تركيا أو في الدول المجاورة.

  أما القطاع السياحي فكان أن تضاعف عدد حجاج اسطنبول من خلال تسهيل إجراءات الدخول والخروج وتأمين المعلومات في شكل سهل لمن يرغب في السياحة، وتوجه الاستثمار إلى البنية التحتية الرئيسة، ومرة أخرى كان للمناطق الريفية نصيب من الاهتمام فجرى من خلال ذلك تنويع المنتج السياحي لكافة الراغبين بزيارة تركيا ، و تجدر الإشارة هنا أن "لميس" و "مُهند" الذي يظن.. ! أنهما نجوم الشاشة والجمال والذي لا يعلم و لا يعلم أنه لا يعلم يتوجب عليه أن يعلم  أنهما  لعبوا دورا هاما في الترويج الذكي و المُكثف للسياحة و نجحوا في الجمع بين أناقة  "أنقرة" دون إهمال ريف "اسطنبول" :وهذا التفوق والدقة العالية لم يكن على محض الصُدفة .

   وعلى صعيد القطاعات ظل القطاع الزراعي أحد أهم القطاعات التي تساهم بتشغيل الأيدي العاملة، وتساهم في رفد الناتج المحلي والقطاعات الأخرى بما تحتاجه من مدخلات إنتاج للصناعات الغذائية المهمة في تركيا، وتحقق الارتقاء بنوعية العاملين في القطاع الزراعي من خلال دعم برامج التدريب الهادفة إلى رفع كفاءتهم الإنتاجية مع التركيز على "الرقابة"  وتخصيص لها جهاز مرن ومتطور و كُفء



      هذه هي قصة التغير والمعنى الأدق والجلي لكلمة "ثورة" ، فما تم انجازه على مدى العقد الماضي يعتبر استثنائياً بكافة المقاييس لم يتجلى  في الخروج من الأزمة فقط بل تجاوز البراعة ليتعافى اقتصاد تركيا كليا في 2011 أمام أنظار أوروبا و طاعون ديونها والملفت هنا  أن المحللين الأتراك لا يحبذون النظر إلى تركيا على أنها «نموذج» بل يشيرون إلى وجود العديد من المشكلات المتعلقة بالقطاعات التقليدية وفقدان التنافسية، ويجادل هؤلاء بأن المرحلة المقبلة في ما يخص الاقتصاد التركي هي الأصعب، خصوصاً الانتقال إلى القطاعات المولدة للقيمة المضافة المرتفعة التي تعتمد على التكنولوجيا واقتصاد المعرفة.

   علينا نحن كعرب التأمل جيداً في التجربة التركية والاستفادة من نُقطة التشابه الجوهرية ، حيث أن التحولات التركية كانت وليدة انهيار ديكتاتورية  " أتاتورك " والعرب حققوا الشطر الأول من المعادلة فبات من الضرورة الآن إعادة قراءة المفاهيم وغربلة المعاني والمدلولات لتأخذ وضعها الطبيعي وترجمتها الواقعية في حياة الشعوب العربية خاصة الدول التي تمر بمراحل تحول غير واضحة.

بـقلمـ : عـراب محمد أمين ـ( aminecpr2010@hotmail.fr

هناك تعليق واحد:

  1. جميل بالتوفيق لمقال أخر إن شاء الله

    ردحذف